فصل: (فَصْلٌ: فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ )

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


‏[‏فَصْلٌ‏:‏ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ ‏]‏

المتن‏:‏

إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ عَتَقَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ ‏]‏ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ ‏(‏إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ‏)‏ الثَّابِتَ النَّسَبِ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا الْأُصُولُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ‏}‏ وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ، وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ‏{‏لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ‏}‏ أَيْ فَيُعْتِقَهُ الشِّرَاءُ لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ كَمَا فَهِمَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ‏.‏ وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا‏}‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ‏}‏ دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ قَوْلُهُ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ الذُّكُورَ مِنْهُمَا وَالْإِنَاثَ، عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا، مَلَكُوا اخْتِيَارًا أَوْ لَا، اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ، وَخَرَجَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُونَ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عَنْهُ وَأَمَّا خَبَرُ ‏{‏مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ‏}‏ فَضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ‏:‏ إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ‏:‏ إنَّهُ خَطَأٌ‏.‏ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ‏:‏ يُعْتَقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ يُعْتَقُ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ‏.‏ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ يُعْتَقُ كُلُّ قَرِيبٍ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الثَّابِتَ النَّسَبِ مَا لَوْ وَلَدَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا وَلَدًا ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّانِي لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَهْلِ التَّبَرُّعِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُمَا إذَا مَلَكَا ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي، وَوَقَعَ هُنَا التَّقْيِيدُ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ‏.‏ قِيلَ‏:‏ كَأَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ‏.‏ وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يُقْصَدْ لِذَلِكَ مَفْهُومٌ مَمْنُوعٌ بَلْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ صُوَرٍ‏:‏ مِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَلَكَ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَكَانَ الْقَرِيبُ كَسُوبًا بِمَا يَقُومُ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ، وَإِذَا قَبِلَهُ مَلَكَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَلْ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ إذْ لَوْ عَتَقَ لَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَاءُ لِرَقِيقٍ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرَّ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِرْثَ وَالْوَلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِمَا، وَإِنَّمَا عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ الْمُبَعَّضِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ مَلَكَ شَخْصٌ ابْنَ أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ فَقَطْ، وَقُلْنَا‏:‏ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ ابْنَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يَرِدُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ الْحَمْلُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ انْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَرِثْ أَيْ لِأَنَّ عِتْقَهُ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا مَسَائِلُ الْمَرِيضِ الْأَتِيَّةُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَكَانَ مَعِيبًا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ رِضَاهُ بِعَيْبِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَشْتَرِي لِطِفْلٍ قَرِيبَهُ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ فَإِنْ كَانَ كَاسِبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ، وَيَعْتِقُ وَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا وَجَبَ الْقَبُولُ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُوسِرًا حَرُمَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَشْتَرِي‏)‏ الْوَلِيُّ ‏(‏لِطِفْلٍ‏)‏ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ ‏(‏قَرِيبَهُ‏)‏ الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِمَحْجُورِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِالْغِبْطَةِ وَلَا غِبْطَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُطَالَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏وَهَبَ لَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ ذُكِرَ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَ ‏(‏وَصَّى لَهُ‏)‏ بِهِ ‏(‏فَإِنْ كَانَ‏)‏ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ ‏(‏كَاسِبًا‏)‏ بِمَا يَفِي بِمُؤْنَتِهِ ‏(‏فَعَلَى الْوَلِيِّ‏)‏ وَلَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا ‏(‏قَبُولُهُ‏)‏ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ مَعَ تَحْصِيلِ الْكَمَالِ لِأَصْلِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ تَوَقُّعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِعَجْزٍ يَطْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالْمَنْفَعَةُ مُحَقَّقَةٌ ‏(‏وَيَعْتِقُ‏)‏ عَلَى الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ ‏(‏وَيُنْفِقُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏مِنْ كَسْبِهِ‏)‏ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْقَرِيبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْقَبُولِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ مُوسِرًا، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ مَنْ لَا يَكْتَسِبُ مِنْ الْأُصُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِمُوجِبِ النَّفَقَةِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَا بِالْكَسْبِ وَعَدَمِهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْ أَوْصَى لِطِفْلٍ مَثَلًا بِجَدِّهِ وَعَمِّهِ الَّذِي هُوَ ابْنُ هَذَا الْجَدِّ حَيٌّ مُوسِرٌ لَزِمَ الْوَلِيَّ قَبُولُهُ، وَلَوْ كَانَ الْجَدُّ غَيْرَ كَاسِبٍ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَمِنْ صُوَرِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدٌ بِحُرَّةٍ وَيُوَلِّدُهَا وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ يُوصِي سَيِّدُ الْعَبْدِ بِهِ لِابْنِهِ، وَمِنْ صُوَرِ الْوَصِيَّةِ بِالِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةً فَيُولِدُهَا فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِمَالِكِ الْأَمَةِ ثُمَّ يُوصِي سَيِّدُ الْوَلَدِ بِهِ لِأَبِيهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْقَرِيبُ كَاسِبًا نُظِرَ ‏(‏فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ‏)‏ أَوْ نَحْوُهُ ‏(‏مُعْسِرًا وَجَبَ‏)‏ عَلَى وَلِيِّهِ ‏(‏الْقَبُولُ‏)‏ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يُوسِرُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَبَى قَبِلَ هُوَ الْوَصِيَّةَ إذَا كَمُلَ إلَّا الْهِبَةَ لِفَوَاتِهَا بِالتَّأْخِيرِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ يُشْبِهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَبَى عَنْ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَكَانَ رَأَى أَنَّ الْقَرِيبَ يَعْجِزُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ أَنَّ حِرْفَتَهُ كَثِيرَةُ الْكَسَادِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ كَمَالِهِ ا هـ‏.‏

وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَبَاهُ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا إذَا سَكَتَ ‏(‏وَنَفَقَتُهُ‏)‏ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ قَرَابَةِ غَيْرِ الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏فِي بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلِهَذَا يُقْطَعُ لِسَرِقَتِهِ، لَكِنْ الْإِمَامُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ ‏(‏مُوسِرًا حَرُمَ‏)‏ عَلَى وَلِيِّهِ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا كُلُّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ جَمِيعُ الْقَرِيبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ؛ فَلَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْضُهُ وَهُوَ كَسُوبٌ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مُوسِرٌ لَمْ يَقْبَلْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ مَلَكَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْرِي عَلَى الْمَحْجُورِ فَتَجِبُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ رُجِّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَيَعْتِقُ وَلَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لِلسِّرَايَةِ بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ كَالْمُعْسِرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ مَلَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ بِلَا عِوَضٍ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقِيلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ فَمِنْ ثُلُثِهِ، وَلَا يَرِثُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَلَا يَعْتِقُ بَلْ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ، أَوْ بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ، وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏مَلَكَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ‏)‏ الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ ‏(‏بِلَا عِوَضٍ‏)‏ كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏مِنْ ثُلُثِهِ‏)‏ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَخَرَجَ بِلَا مُقَابِلٍ فَأَشْبَهَ الْمُتَبَرِّعَ بِهِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ ‏(‏مِنْ رَأْسِ الْمَالِ‏)‏ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا، وَفِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ‏.‏ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْأَصَحُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهَا بِفَلَسٍ لَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا عَتَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ، قَالَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ‏(‏بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ‏)‏ بَلْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ‏(‏فَمِنْ ثُلُثِهِ‏)‏ فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالتَّفْرِيقِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ، وَقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَرِثُ‏)‏ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِرْثِ فَالْأَبْعَدُ نَقْلُهُمَا، هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ، وَكَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ‏.‏ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَيُحْتَمَلُ تَوَقُّفُ الْأَمْرِ إلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى عِتْقِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا، فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ عَلَى الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ، وَهَذَا خِلَافُ الَّذِي عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَرِثُ، أَمَّا إذَا اعْتَبَرْنَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَرَّ وَرِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ ‏(‏فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ‏)‏ مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ‏(‏فَقِيلَ‏:‏ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ‏)‏؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ يُؤَدِّي إلَى مِلْكِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ ‏(‏وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ‏)‏ إذْ لَا خَلَلَ فِيهِ ‏(‏وَلَا يَعْتِقُ‏)‏ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْهُ ‏(‏بَلْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ‏)‏ وَيُلْغَزُ بِهَذَا، فَيُقَالُ‏:‏ حُرٌّ مُوسِرٌ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَقُ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِإِذْنِهِ وَقَدْ رَكِبَهُ دَيْنُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْقِرَاضِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِالدُّيُونِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي الْأُولَى أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ ذَلِكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَلَكَ فِيهِ بِعِوَضٍ ‏(‏بِمُحَابَاةٍ‏)‏ مِنْ الْبَائِعِ كَأَنْ اشْتَرَى بِخَمْسِينَ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً ‏(‏فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ‏)‏ فَيَكُونُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ خَمْسُونَ فِي هَذَا الْمِثَالِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ هَلْ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ‏؟‏ ‏(‏وَالْبَاقِي‏)‏ بَعْدَ قَدْرِهَا يُعْتَبَرُ ‏(‏مِنْ الثُّلُثِ‏)‏ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْمُحَابَاةِ مِنْ الْبَائِعِ الْمُحَابَاةُ مِنْ الْمَرِيضِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسِينَ فَقَدْرُهَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ لَمْ يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِلَّا قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَتَقَ وَسَرَى، وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ‏)‏ الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ ‏(‏فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ الْقَبُولِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ الْقَرِيبُ عَلَى السَّيِّدِ ‏(‏وَسَرَى‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ هِبَةٌ لِسَيِّدِهِ وَقَبُولَهُ كَقَبُولِ سَيِّدِهِ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ؛ وَلِهَذَا صَحَّحُوا أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِ فِعْلِ عَبْدِهِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْإِرْثِ، وَفِيهَا كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ تَصْحِيحُهُ، اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ‏:‏ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا عِتْقَ، أَوْ فِي نَوْبَةِ الرِّقِّ فَكَالْقِنِّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّقِّ فِيهِ مَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لَمْ يُعْتَقْ مِنْ مَوْهُوبِهِ شَيْءٌ مَا دَامَتْ الْكِتَابَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَلَمْ يَسْرِ، وَإِنْ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ فَالْأَصَحُّ لَا سِرَايَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ‏.‏

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبَيَانِ الْقُرْعَةِ ‏]‏

المتن‏:‏

أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، عَتَقَ ثُلُثُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبَيَانِ الْقُرْعَةِ‏.‏ إذَا ‏(‏أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ‏)‏ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ‏(‏عَتَقَ ثُلُثُهُ‏)‏ وَرَقَّ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَصَايَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إنْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ فَهَلْ يَمُوتُ كُلُّهُ رَقِيقًا أَوْ كُلُّهُ حُرًّا أَوْ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ‏؟‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏:‏ هُنَا فِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ الْأَوَّلُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُعْتَقُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ هُنَا شَيْءٌ، وَنَقَلَا فِي الْوَصَايَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ تَصْحِيحَ الثَّانِي وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّالِثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ‏:‏ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ‏:‏ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ‏.‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَخَصَّ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ، فَإِنْ كَانَ مَاتَ عَنْ كَسْبٍ وَهُوَ مَثَلًا قِيمَتُهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِلتَّرِكَةِ مَثَلًا قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ وَهَبَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَقْبَضَهُ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ رَقِيقًا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَوْتِهِ حُرًّا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ وُزِّعَتْ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏كَانَ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ‏(‏دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ‏)‏ ‏(‏لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَدَمَ النُّفُوذِ لَكِنْ يُحْكَمُ بِإِعْتَاقِهِ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءِ الْمُسْتَحِقِّ نَفَذَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا‏:‏ مِنْهَا مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبِ كَفَّارَةٍ‏.‏ قِيلَ‏:‏ فَالْأَرْجَحُ نُفُوذُهُ وَلَوْ أَمْكَنَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ بِبَعْضِ قِيمَتِهِ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى الدَّيْنِ‏.‏ وَمِنْهَا الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ نَفَذَ مَعَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَمِنْهَا مَا إذَا أَبْرَأَ أَصْحَابَ الدَّيْنِ مِنْ دَيْنِهِمْ نَفَذَ الْعِتْقُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُ بَاقِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ، وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ، أَوْ ثُلُثُكُمْ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ أُقْرِعَ وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏أَعْتَقَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏ثَلَاثَةً‏)‏ مِنْ الْأَرِقَّاءِ مَعًا كَأَعْتَقْتُكُمْ ‏(‏لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ‏)‏ عِنْدَ مَوْتِهِ ‏(‏وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ‏)‏ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ ‏(‏عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فَتَعَيَّنَتْ طَرِيقًا، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً‏}‏ وَالظَّاهِرُ تَسَاوِي الْأَثْلَاثِ فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ عَبِيدَ الْحِجَازِ غَالِبًا لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُمْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَيِّتُ فِي الْقُرْعَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ رَقَّ الْآخَرَانِ وَبَانَ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا فَيُورَثُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ طَارَ غُرَابٌ فَفُلَانٌ حُرٌّ أَوْ مَنْ وَضَعَ صَبِيٌّ يَدَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَكْفِ ‏(‏وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ، أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏ثُلُثُكُمْ حُرٌّ‏)‏ فَيُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِقُرْعَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ أَعْتَقْت ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ‏)‏ مِنْكُمْ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْتَقُ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَهُ‏)‏ وَلَا إقْرَاعَ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّبْعِيضِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ تَشَوَّفَ الشَّارِعُ إلَى تَكْمِيلِ الْعِتْقِ يُوجِبُ اتِّبَاعَ الْخَبَرِ فِي إيقَاعِ الْقُرْعَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمَوْتِ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَلَا يُقْرَعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَسْرِي، وَفُهِمَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّصْوِيرِ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الْأَبْعَاضَ مَعًا فَخَرَجَ مَا إذَا رَتَّبَهَا فَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ فَقَالَ‏:‏ نِصْفُ غَانِمٍ حُرٌّ وَثُلُثُ سَالِمٍ حُرٌّ عَتَقَ ثُلُثَا غَانِمٍ وَلَا قُرْعَةَ، ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ‏.‏ وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٌ يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ، وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ، وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ، أَوْ الرِّقُّ رَقَّ وَأُخْرِجَتْ أُخْرَى بِاسْمٍ آخَرَ، يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةَ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَآخَرُ مِائَتَانِ، وَآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ أُقْرِعَ بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا، أَوْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ، أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَمَنْ خَرَجَ تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَثَلَاثَةٍ مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا، وَالِاثْنَانِ جُزْءًا، وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِالْقِيمَةِ كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ‏:‏ وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ، أَوْ لِلِاثْنَيْنِ رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي قُلْتُ‏:‏ أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ، وَقِيلَ إيجَابٍ، وَإِذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ مَالٌ وَخَرَجَ كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا، وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَرَجَ بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ أُقْرِعَ، وَمَنْ عَتَقَ بِقُرْعَةٍ حُكِمَ

المتن‏:‏

بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ، وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ بَقِيَ رَقِيقًا قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ، لَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ، فَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ مِائَةٌ، وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً أُقْرِعَ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ رُبُعُهُ، وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَالتَّجْزِئَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا فَقَالَ ‏(‏وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٌ‏)‏ إذَا كَانَ الْعَبِيدُ ثَلَاثَةً كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ ‏(‏يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ‏)‏؛ لِأَنَّ الرِّقَّ ضِعْفُ الْحُرِّيَّةِ، فَتَكُونُ الرِّقَاعُ عَلَى نِسْبَةِ الْمَطْلُوبِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ ‏(‏وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ‏)‏ مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ ‏(‏كَمَا سَبَقَ‏)‏ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَ‏)‏ لَهُ ‏(‏الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ‏)‏ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ‏(‏أَوْ الرِّقُّ‏)‏ لِوَاحِدٍ ‏(‏رَقَّ وَأُخْرِجَتْ‏)‏ رُقْعَةٌ ‏(‏أُخْرَى بِاسْمٍ آخَرَ‏)‏ فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الثَّالِثُ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ الرِّقُّ رَقَّ وَعَتَقَ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْقُرْعَةِ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ طَرِيقًا آخَرَ لِلْقُرْعَةِ وَعَبَّرَ فِيهَا بِالْجَوَازِ فَقَالَ ‏(‏يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ‏)‏ فِي الرِّقَاعِ ‏(‏ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا‏)‏ أَيْ الْبَاقِيَانِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى أَوْلَى لِتَعْبِيرِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالْجَوَازِ، لَكِنْ صَوَّبَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِيهَا يُمْكِنُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ قَدْ يُحْوَجُ إلَى إعَادَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى رُقْعَتَيْنِ، فِي إحْدَاهُمَا عِتْقٌ، وَفِي الْأُخْرَى رِقٌّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي الرَّوْضَةِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ احْتِيَاطٌ‏.‏ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْأَصَحُّ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّا إذَا أَخْرَجْنَا رُقْعَةً عَلَى عَبْدٍ فَخَرَجَ فِيهَا رِقٌّ يُحْتَاجُ إلَى إدْرَاجِهَا فِي بُنْدُقِهَا مَرَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ ثَلَاثٌ أَرْجَحَ مِنْ رُقْعَتَيْنِ لَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ ا هـ‏.‏

وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ كَأَنْ ‏(‏كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةَ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏مِائَةٌ، وَآخَرُ مِائَتَانِ، وَآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ‏)‏ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمْ ‏(‏بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ‏)‏ بِأَنْ يُكْتَبَ فِي رُقْعَتَيْنِ رِقٌّ، وَفِي أُخْرَى عِتْقٌ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ‏(‏فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا‏)‏ أَيْ الْبَاقِيَانِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ الثُّلُثُ ‏(‏أَوْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ‏)‏ وَرَقَّ بَاقِيهِ وَالْآخَرَانِ ‏(‏أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ‏)‏ فِي رُقْعَتَيْنِ ‏(‏فَمَنْ خَرَجَ‏)‏ الْعِتْقُ عَلَى اسْمِهِ مِنْهُمَا ‏(‏تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ‏)‏ وَإِنْ كَانَ ذَا الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ نِصْفُهُ أَوْ ذَا الثَّلَاثِمِائَةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَرَقَّ الْبَاقِي الْآخَرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ يُوهِمُ تَعْيِينَ هَذَا الطَّرِيقِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجُوزُ الطَّرِيقُ الْآخَرُ وَإِنْ كَتَبَ فِي الرِّقَاعِ أَسْمَاءَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ اسْمُ ذِي الْمِائَةِ عَتَقَ وَتُمِّمَ الثُّلُثُ مِمَّنْ خَرَجَ اسْمُهُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ ‏(‏وَإِنْ كَانُوا‏)‏ أَيْ الْأَرِقَّاءُ ‏(‏فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ‏)‏ مَعًا فِي الْأَجْزَاءِ الثَّلَاثِ ‏(‏كَسِتَّةٍ‏)‏ أَوْ تِسْعَةٍ ‏(‏قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا‏)‏ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ ‏(‏اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ‏)‏ وَفِي الْمِثَالِ الثَّانِي ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً وَفُعِلَ كَمَا سَبَقَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سِتَّةٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ فَيُضَمُّ إلَى كُلِّ نَفِيسٍ خَسِيسٌ فَتَسْتَوِي الْأَجْزَاءُ عَدَدًا وَقِيمَةً ‏(‏أَوْ‏)‏ أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ ‏(‏بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏مِائَةٌ، وَ‏)‏ قِيمَةُ ‏(‏ثَلَاثَةٍ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا وَالِاثْنَانِ جُزْءًا وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا‏)‏ وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَابَعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي هَذَا الْمِثَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَإِنَّ السِّتَّةَ لَهَا ثُلُثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا مِثَالُهُ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خَمْسَةٌ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَحِينَئِذٍ فَالْعِبَارَةُ مَعْكُوسَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ ا هـ‏.‏

وَاعْتَذَرَ الشُّرَّاحُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَفِي عِتْقِ الِاثْنَيْنِ إنْ خَرَجَ وَافَقَ ثُلُثُ الْعَدَدِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ‏:‏ دُونَ الْعَدَدِ صَادِقٌ بِبَعْضِ الْأَجْزَاءِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِلْمُثْبِتِ قَبْلَهُ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا يَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ ‏(‏وَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ تَوْزِيعُهُمْ ‏(‏بِالْقِيمَةِ‏)‏ مَعَ الْعَدَدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لَقِيمَتِهِمْ ثُلُثٌ صَحِيحٌ ‏(‏كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ‏:‏ وَاحِدٌ‏)‏ جُزْءٌ ‏(‏وَوَاحِدٌ‏)‏ جُزْءٌ ‏(‏وَاثْنَانِ‏)‏ جُزْءٌ؛؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏(‏فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ‏)‏ كُلُّهُ ‏(‏ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ‏)‏ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَيُحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهُ إنْ خَرَجَ لِلْوَاحِدِ فَعَتَقَ ثُلُثُهُ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ خَرَجَ لِاثْنَيْنِ فَكَيْفَ يُفْعَلُ‏؟‏ هَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُهُ أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ثَانِيًا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ا هـ‏.‏

وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لِلتَّعَرُّضِ لَهُ، فَإِنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقُرْعَةَ تُعَادُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَأَنَّهُمْ يُجَزَّءُونَ أَثْلَاثًا كَمَا مَرَّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ خَرَجَ الْعِتْقُ ‏(‏لِلِاثْنَيْنِ‏)‏ الْمَجْمُوعَيْنِ جُزْءًا ‏(‏رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ اللَّذَيْنِ خَرَجَ لَهُمَا رُقْعَةُ الْعِتْقِ ‏(‏فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتِمُّ الثُّلُثُ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي‏)‏ وَهُوَ الْقَارِعُ‏.‏ ثَانِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَثُلُثُ الْبَاقِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ، وَفِي بَعْضِهَا الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْقُرْعَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي أَرْبَعِ رِقَاعٍ وَيُخْرِجَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ إلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ أَوَّلًا رُقْعَةٌ بِالْحُرِّيَّةِ عَتَقَ وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْبَاقِينَ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ ثَانِيًا عَتَقَ ثُلُثُهُ ‏(‏قُلْتُ‏)‏ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ‏)‏ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ بِحَيْثُ يَقْرَبُ مِنْ الثُّلُثِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ‏(‏وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ فِي ‏(‏إيجَابٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وِفَاقًا لِلْقَاضِي وَلِلْإِمَامِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏إذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ‏)‏ بَعْدَهَا ‏(‏مَالٌ‏)‏ آخَرُ لِلْمَيِّتِ جَهِلْنَاهُ وَقْتَ الْقُرْعَةِ ‏(‏وَخَرَجَ‏)‏ الْأَرِقَّاءُ ‏(‏كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا‏)‏ أَيْ تَبَيَّنَ عِتْقُهُمْ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ ‏(‏وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ‏)‏ وَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ كَوَلَدٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ وَجُلِدَ خَمْسِينَ كُمِّلَ حَدُّهُ إنْ كَانَ بِكْرًا، وَرُجِمَ إنْ كَانَ ثَيِّبًا، أَوْ لَوْ كَانَتْ أَمَةً زَوَّجَهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ بَطَلَ نِكَاحُهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ لَزِمَهُ مَهْرُهَا، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَاعَ أَحَدَهُمْ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُ وَرَجَعَ الْمُؤَجَّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَهُوَ كَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا عَلَى ظَنِّ الصِّحَّةِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ ‏(‏خَرَجَ‏)‏ مِنْ الثُّلُثِ ‏(‏بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ‏)‏ فِيمَا إذَا أُعْتِقَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَبِيدِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ مَعَ الْأَوَّلِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ خَرَجَ بَعْضُ عَبْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ أَشَارَ إلَى قَاعِدَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ هِيَ كُلُّ ‏(‏مَنْ عَتَقَ‏)‏ مِنْ الْأَرِقَّاءِ ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ ‏(‏حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ‏)‏ لَا مِنْ يَوْمِ الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِلْعِتْقِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ ‏(‏وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ‏)‏ أَيْ حِينَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَهَا، بِخِلَافِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ حِينَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ ‏(‏وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ‏)‏ سَوَاءٌ كَسَبَهُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ ‏(‏وَ‏)‏ كُلُّ ‏(‏مَنْ بَقِيَ‏)‏ أَيْ اسْتَمَرَّ ‏(‏رَقِيقًا‏)‏ مِنْ الْأَرِقَّاءِ ‏(‏قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ أَقَلَّ أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِأَقَلِّ الْقِيَمِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إلَى وَقْتِ قَبْضِ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِمْ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِمْ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ كَاَلَّذِي يُغْصَبُ أَوْ يَضِيعُ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهُ ‏(‏وَحُسِبَ‏)‏ عَلَى الْوَارِثِ ‏(‏مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ‏)‏ لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ ‏(‏لَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ مَوْتِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ بِيعَ فِي الدَّيْنِ وَالْكَسْبِ لِلْوَارِثِ لَا يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْهُ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ‏.‏ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا سَبَقَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏أَعْتَقَ‏)‏ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ‏(‏ثَلَاثَةً‏)‏ مَعًا ‏(‏لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏مِائَةٌ وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ‏)‏ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ ‏(‏مِائَةً‏)‏ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمْ ‏(‏فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ‏)‏ الَّتِي اكْتَسَبَهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ عَتَقَ فَلَهُ كَسْبٌ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ وَرَقَّ الْآخَرَانِ ‏(‏وَإِنْ خَرَجَ‏)‏ الْعِتْقُ ‏(‏لِغَيْرِهِ‏)‏ أَيْ الْكَاسِبِ ‏(‏عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ‏)‏ ثَانِيًا بَيْنَ الْكَاسِبِ، وَالْآخَرِ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ ‏(‏فَإِنْ خَرَجَتْ‏)‏ أَيْ الْقُرْعَةُ ‏(‏لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ‏)‏ وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ مَعَ الْكَاسِبِ وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ، وَهُوَ مَثَلًا قِيمَةُ الْأَوَّلِ وَمَا عَتَقَ مِنْ الثَّانِي ‏(‏وَإِنْ خَرَجَتْ‏)‏ أَيْ الْقُرْعَةُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الْكَاسِبِ ‏(‏عَتَقَ رُبُعُهُ وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ مَا عَتَقَ، وَلَا يَبْقَى ذَلِكَ إلَّا بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَبِعَهُ مَنْ كَسْبُهُ قَدْرُهَا وَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى مِنْ كَسْبِهِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَبَقِيَ مِنْهُ مَا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَبَقِيَ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَجُمْلَةُ التَّرِكَةِ الْمَحْسُوبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، مِنْهَا قِيمَةُ الْعَبِيدِ ثَلَاثُمِائَةٍ‏.‏ وَمِنْهَا كَسْبُ أَحَدِهِمْ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، فَجُمْلَةُ مَا عَتَقَ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَجُمْلَةُ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَأَمَّا رُبُعُ كَسْبِهِ فَغَيْرُ مَحْسُوبٍ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتَقَسَّطُ عَلَى مَا فِي الْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَمَا قَابَلَ مِائَةً مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَانَ لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَمَا قَابَلَ مِائَةً مِنْ الرِّقِّ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ فَتَزْدَادُ تَرِكَتُهُ بِذَلِكَ، وَبِازْدِيَادِهَا يَزْدَادُ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ فِي الْكَسْبِ فَتَنْقُصُ حِصَّةُ التَّرِكَةِ، فَدَارَتْ الْمَسْأَلَةُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ، وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُحَرَّرُ، فَقَالَ‏:‏ وَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ بِأَنْ يُقَالَ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ الثَّانِي شَيْءٌ، وَتَبِعَهُ مَنْ كَسْبُهُ مِثْلُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ، فَيَبْقَى لِلْوَارِثِ ثَلَاثُمِائَةٍ سِوَى شَيْئَيْنِ يَعْدِلُ مِثْلَيْ مَا أَعْتَقَا وَهُوَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ، فَمِثْلَاهُ مِائَتَانِ وَشَيْئَانِ، وَذَلِكَ مُقَابِلُ ثَلَاثِمِائَةٍ سِوَى شَيْئَيْنِ فَتُجْبَرُ وَتُقَابَلُ، فَمِائَتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ مُقَابِلُ ثَلَاثِمِائَةٍ يُسْقِطُ الْمِائَتَيْنِ بِالْمِائَتَيْنِ فَتَبْقَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ فِي مُقَابَلَةِ مِائَةٍ، فَالشَّيْءُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الَّذِي عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ رُبُعُهُ، وَتَبِعَهُ مِنْ الْكَسْبِ رُبُعُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ كَلَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ‏:‏ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا لَمْ يُعْتَقْ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْمَجْهُولِ نَسَبُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُلَاطَفَةِ‏:‏ أَنْتَ ابْنِي وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ بِمَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَصَدَّقَهُ وَيَعْتِقُ فَقَطْ إنْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَكَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ‏.‏

فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ

المتن‏:‏

مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ بِإِعْتَاقٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ وَسِرَايَةٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ‏)‏ ‏(‏فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ‏)‏ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ لُغَةً الْقَرَابَةُ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُقَارَبَةُ، وَشَرْعًا عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهِيَ مُتَرَاخِيَةٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ، فَيَرِثُ بِهَا الْمُعْتَقُ، وَيَلِي أَمْرَ النِّكَاحِ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَيَعْقِلُ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ‏}‏، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ الْقَرَابَةُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَلَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُرِثَ لَاشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَاخْتَصَّ الِابْنُ الْمُسْلِمُ بِالْإِرْثِ بِهِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ الْمُسْلِمُ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ عَنْهُمَا ‏(‏مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ‏)‏ أَوْ مُبَعَّضٌ ‏(‏بِإِعْتَاقٍ‏)‏ مُنْجَزٍ إمَّا اسْتِقْلَالًا أَوْ بِعِوَضٍ كَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ضِمْنًا كَقَوْلِهِ‏:‏ اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي‏.‏ فَأَجَابَهُ، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ وُجِدَتْ ‏(‏أَوْ كِتَابَةٍ‏)‏ بِأَدَاءِ نُجُومٍ ‏(‏وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ‏)‏ كَأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ‏(‏وَسِرَايَةٍ‏)‏ كَمَا مَرَّ فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ، أَوْ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِ رَقِيقَهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ ‏(‏فَوَلَاؤُهُ لَهُ‏)‏ إمَّا بِالْإِعْتَاقِ فَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا إذَا أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَبْدَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ لَا لِلْمَالِكِ‏.‏ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَلَاؤُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ كَنَسَبِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏}‏ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، لِأَنَّ الْمِلْكَ بِزَعْمِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَإِنَّمَا عَتَقَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ‏.‏ وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ كَافِرًا فَلَحِقَ الْعَتِيقُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِلثَّانِي‏.‏ وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْإِمَامُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِلْمُعْتِقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَعَكْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا كَمَا ثَبَتَ عَلَقَةُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا‏.‏

المتن‏:‏

ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ، فَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ، وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِعْتَاقِ كَإِسْلَامِ شَخْصٍ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَحَدِيثُ ‏{‏مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ‏}‏ قَالَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ، وَكَالْتِقَاطٍ، وَحَدِيثُ ‏{‏تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ‏:‏ عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ‏}‏ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَالْحَلِفِ وَالْمُوَالَاةِ ‏(‏ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ‏)‏ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَمَنْ يَعْصِبُهُمْ الْعَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ مَوْرُوثًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَاصِبِ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتِقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ‏.‏ فِيمَا إذَا مَاتَ الْعَتِيقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَالْمُعْتِقُ حُرٌّ كَافِرٌ، وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ الْمُسْلِمُ، وَلَوْ قُلْنَا‏:‏ لَا يَثْبُتُ لَكَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، بَلْ الْمُتَأَخَّرُ لَهُمْ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فَوَائِدُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْعَصَبَةَ بِمَا زِدْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ‏)‏ فَلَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَرِثَ الذَّكَرُ دُونَهَا‏.‏ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا‏)‏ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ ‏(‏وَأَوْلَادِهِ‏)‏ وَإِنْ نَزَلُوا ‏(‏وَعُتَقَائِهِ‏)‏ وَإِنْ بَعُدُوا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَّا مِنْ مُعْتِقِهَا أَوْ مُنْتَمٍ إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ وَلَدُ الْعَتِيقَةِ الَّذِي عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ حُرٍّ أَصْلِيٍّ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي عِبَارَتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْفَرَائِضِ، وَذَكَرهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا‏)‏ كَأَنْ اشْتَرَتْهُ ‏(‏ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ‏)‏ مِنْ النَّسَبِ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ ‏(‏فَمَالُهُ‏)‏ أَيْ الْعَتِيقِ ‏(‏لِلْبِنْتِ‏)‏ لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَ مُعْتِقِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا لَا تَرِثُ بَلْ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ مِيرَاثِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ، فَإِنْ كَانَ كَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ، فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ‏.‏ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ‏:‏ سَمِعْت بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ‏:‏ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ، فَقَالُوا‏:‏ إنَّ الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا أَقْرَبَ وَهِيَ عَصَبَةٌ لَهُ بِوَلَائِهَا عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْغَفْلَةِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ الْمُعْتِقُ‏.‏ ثُمَّ عَصَبَتُهُ‏.‏ ثُمَّ مُعْتِقُهُ‏.‏ ثُمَّ عَصَبَاتُهُ، وَهَكَذَا، وَوَارِثُ الْعَبْدِ هَهُنَا عَصَبَةٌ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَنِسْبَةُ غَلَطِ الْقُضَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَكَاهُ الشَّيْخَانِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ غَلَطِهِمْ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَخٌ وَأُخْتٌ أَبَاهُمَا، فَأَعْتَقَ الْأَبُ عَبْدًا وَمَاتَ‏.‏ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ، فَقَالُوا‏:‏ مِيرَاثُهُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَا مُعْتِقِهِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ وَحْدَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ بِلَا وَارِثٍ يَرْجِعُ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ ‏(‏وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ‏)‏ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ‏(‏الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ‏)‏ وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَكْبَرُ الْجَمَاعَةِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ دُونَ السِّنِّ، مِثَالُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِ ابْنِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا، فَالْوَلَاءُ لِعَمِّهِ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لِأَبِيهِ، فَلَوْ مَاتَ الْآخَرُ وَخَلَفَ تِسْعَةَ بَنِينَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ‏)‏ فَعَتَقَ ‏(‏فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ‏)‏ لِأَحَدٍ ‏(‏إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ‏)‏ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِ أَحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ مَنْ أَعْتَقَهُ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ أُصُولِهِ، فَاخْتَصَّ بِالْوَلَاءِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَلِدَ رَقِيقُهُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حُرٍّ فَأُعْتِقَ الْوَلَدُ وَأُعْتِقَ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ اسْتِرْسَالِ الْوَلَاءِ عَلَى أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَأَحْفَادِهِ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ صُورَةً أُخْرَى وَهِيَ مَنْ أَبُوهُ حُرٌّ أَصْلِيٌّ، فَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ لِلْأَبِ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَكَذَا الْفَرْعُ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ حُرِّيَّةِ الْأَبِ تُبْطِلُ دَوَامَ الْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَمَا سَيَأْتِي فَدَوَامُهَا أَوْلَى بِأَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتُهَا لَهُمْ، أَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ مُعْتَقٌ تَزَوَّجَ بِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَفِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْوَلَدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلنَّسَبِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، فَحُرِّيَّتُهَا تَمْنَعُ الْوَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ كَالْأَبِ، وَلَا وَلَاءَ عَلَى ابْنِ حُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ مَاتَ أَبُوهُ رَقِيقًا، فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ، فَهَلْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ أَمْ لَا‏؟‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً، فَكَذَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ، وَمَنْ وُلِدَ بَيْنَ حُرَّيْنِ، ثُمَّ رَقَّ أَبَوَاهُ، ثُمَّ زَالَ رِقُّهُمَا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَشْمَلْهُ لِحُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، وَقِيلَ يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ أَبَاهُ جُرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ إلَيْهِ، وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قُلْت‏:‏ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ أَشَارَ لِوَلَاءِ الِانْجِرَارِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ أُمِّهِ ‏(‏فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ‏)‏ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ ‏(‏إلَى مَوَالِيهِ‏)‏ أَيْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ، وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِعَدَمِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَإِذَا أَمْكَنَ عَادَ إلَى مَوْضِعِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ وَقْتِ عِتْقِ الْأَبِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ، فَإِذَا انْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ، بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ لَحِقَ مَوَالِي الْأَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبُوا هَلْ يَعُودُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ‏؟‏ حَكَى ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَمَحِلُّ الِانْجِرَارِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتِقُ الْأَبِ هُوَ الِابْنَ نَفْسَهُ، فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ بَاقٍ لِمَوَالِي أُمِّهِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ‏)‏ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ ‏(‏إلَى مَوَالِيهِ‏)‏ أَيْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فِي النَّسَبِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ انْجِرَارٌ ‏(‏فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ‏)‏ الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ أَيْضًا لِمَا مَرَّ ‏(‏فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ‏)‏ أَيْ الْجَدِّ ‏(‏انْجَرَّ‏)‏ مِنْ مَوَالِي الْجَدِّ ‏(‏إلَى مَوَالِيهِ‏)‏ أَيْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا جَرَّهُ لِكَوْنِ الْأَبِ كَانَ رَقِيقًا، فَإِذَا عَتَقَ كَانَ أَوْلَى بِالْجَرِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ، وَإِذَا انْقَرَضَ مَوَالِي الْأَبِ لَا يَعُودُ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ، وَلَا إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بَلْ يَبْقَى لِبَيْتِ الْمَالِ ‏(‏ وَقِيلَ‏)‏ لَا يَنْجَرُّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ بَلْ ‏(‏يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَنْجَرَّ لِبَقَاءِ الْأَبِ رَقِيقًا، فَإِذَا مَاتَ زَالَ الْمَانِعُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْجَرُّ مِنْ مُعْتَقِي الْأُمِّ إلَى مُعْتَقِ أَبِي الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ ‏(‏وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ‏)‏ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أَبِيهِ بِسَبَبِ رِقِّ أُمِّهِ ‏(‏أَبَاهُ‏)‏ وَعَتَقَ عَلَيْهِ ‏(‏جُرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ‏)‏ لِأَبِيهِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِمْ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْوَلَدِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أُمِّهِ أَمْ مِنْ مُعْتَقَةٍ أُخْرَى ‏(‏وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ‏)‏ جُرَّ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فِي الْمُحَرَّرِ كَإِخْوَتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْأَبَ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَسْقُطُ وَيَصِيرُ كَحُرٍّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ‏(‏قُلْت‏)‏ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ‏:‏ ‏(‏الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ‏)‏ أَيْ وَلَاءَ نَفْسِهِ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَيْهِ، بَلْ يَسْتَمِرُّ الْوَلَاءُ لَهُمْ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَّهُ لَثَبَتَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَاءٌ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ أَوْ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ وَأَخَذَ النُّجُومَ يَعْتِقُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ سَهْوٌ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ أَعْتَقَ عَتِيقٌ أَبَا مُعْتِقِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ‏.‏ وَإِنْ أَعْتَقَ أَجْنَبِيٌّ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَاشْتَرَيَا أَبَاهُمَا فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى‏.‏ وَلَوْ خُلِقَ حُرٌّ مِنْ حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ وَأَجْدَادُهُ أَرِقَّاءُ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَغْرُورِ، وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَنَحْوِهِمَا‏.‏ فَإِذَا عَتَقَتْ أُمُّ أُمِّهِ فَالْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِهَا، فَإِنْ عَتَقَ أَبُو أُمِّهِ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُبُوَّةِ أَقْوَى وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مَنْ انْجَرَّ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ‏.‏ وَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ وَابْنٌ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِ مُعْتِقِهِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِ فَقَطْ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُمَا، وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ مُعْتِقِهِ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ‏.‏

كِتَابُ التَّدْبِيرِ

المتن‏:‏

صَرِيحُهُ أَنْتَ حُرُّ بَعَدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا دَبَّرْتُكَ وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ التَّدْبِيرِ هُوَ لُغَةً‏:‏ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَشَرْعًا‏:‏ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تَدْبِيرَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ حَيَاتِهِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِعِتْقِهِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ التَّدْبِيرُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ مِنْ الْوَصَايَا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏ فَتَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَاسْمُ الْغُلَامِ يَعْقُوبُ، وَمُدَبِّرُهُ مَذْكُورٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ‏}‏ وَنَسَبَهُ إلَى الْخَطَإِ‏.‏ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ‏:‏ صِيغَةٌ وَمَالِكٌ، وَمَحِلٌّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ، وَهُوَ إمَّا صَرِيحٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ ‏(‏صَرِيحُهُ‏)‏ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ التَّدْبِيرِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ ‏(‏أَنْتَ حُرٌّ‏)‏ أَوْ حَرَّرْتُكَ ‏(‏بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ‏)‏ أَوْ عَتِيقٌ ‏(‏أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي‏)‏ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَنْتَ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ مَوْتِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ شَأْنُ الصَّرِيحِ ‏(‏وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ مِنْ الْكِنَايَةِ وَهُوَ كِنَايَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ لَفْظِ الْعَتِيقِ وَالْحُرِّيَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ كَذَا كَانَ أَوْلَى‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيَصِحُّ بِكِنَايَةٍ عِتْقٌ مَعَ نِيَّةٍ ك خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي‏)‏ نَاوِيًا الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِتْقِ فَدَخَلَتْهُ كِنَايَتُهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حَرَامٌ أَوْ مُسَيَّبٌ أَوْ مَالِكٌ نَفْسَكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا بِلَفْظِ التَّحْبِيسِ الَّذِي هُوَ مِنْ صَرَائِحِ الْوَقْفِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ عَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُ نُظِرَ إنْ كَانَ مُبْهَمًا كَرُبُعِهِ صَحَّ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَلَا يَسْرِي كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ مُعَيَّنًا كَيَدِهِ لَغَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏ وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَسْت بِحُرٍّ لَا يَصِحُّ كَمِثْلِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ جُهِلَتْ إرَادَتُهُ‏.‏ فَإِنْ قَالَهُ فِي مَعْرِضِ الْإِنْشَاءِ عَتَقَ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْإِقْرَارِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجُوزُ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَ ‏(‏مُقَيَّدًا‏)‏ بِشَرْطٍ فِي الْمَوْتِ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُ بَقَاءُ السَّيِّدِ إلَيْهَا ‏(‏كَإِنْ‏)‏ أَوْ مَتَى ‏(‏مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ‏)‏ فِي ذَا ‏(‏الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْمُطْلَقِ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، كَإِنْ مِتُّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ ‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ التَّدْبِيرُ أَيْضًا ‏(‏مُعَلَّقًا‏)‏ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ ‏(‏كَإِنْ‏)‏ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى ‏(‏دَخَلْتُ‏)‏ الدَّارَ ‏(‏فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى‏)‏؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ ‏(‏فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا‏)‏ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَدْخُلَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ الْمُعَلَّقَ قَسِيمُ الْمُقَيَّدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَسِيمُهُ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ ‏(‏الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ‏)‏ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَدْبِيرَ وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ ‏(‏فَإِنْ قَالَ‏)‏‏:‏ إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ ‏(‏إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ‏)‏ الدَّارَ ‏(‏فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ‏)‏ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ ‏(‏دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ‏)‏ عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ، وَهَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَدُخُولِ الدَّارِ بَعْدَهُ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ تَرْتِيبَ الدُّخُولِ، لَكِنْ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ أَيْضًا ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا قُبَيْلَ الْخُلْعِ مَا يُوَافِقُهُ وَخَالَفَ فِي الطَّلَاقِ، فَجَزَمَ فِيمَا لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرِهِ‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَأَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ إلَى وَجْهٍ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ الصَّوَابُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ هُنَا كَمَا هُنَاكَ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ‏؟‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الدُّخُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ ‏(‏عَلَى التَّرَاخِي‏)‏ لِاقْتِضَاءِ ثَمَّ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُقْتَضَى ذَلِكَ تَرْكُ الْعَبْدِ عَلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَارِثِ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحِلَّهُ قَبْلَ عَرْضِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَشِيئَةِ الْآتِيَةِ ‏(‏وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ‏)‏ وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ ‏(‏قَبْلَ الدُّخُولِ‏)‏ إذْ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُبْطِلَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي إبْطَالُهُ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ وَلَهُ كَسْبُهُ قَبْلَهُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا، أَوْ ‏(‏إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِي ‏(‏فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ‏)‏ كَسْبُهُ، وَ ‏(‏اسْتِخْدَامُهُ‏)‏ وَإِجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ ‏(‏فِي الشَّهْرِ‏)‏ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ ‏(‏لَا بَيْعُهُ‏)‏ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمُوَرِّثِ، وَهَذَا أَيْضًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، وَهَكَذَا كُلُّ تَعْلِيقٍ بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ‏:‏ إذَا شِئْتَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، ثُمَّ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةً، وَإِنْ قَالَ‏:‏ مَتَى شِئْتَ فَلِلتَّرَاخِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏)‏ لِعَبْدِهِ ‏(‏إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ‏)‏ ‏(‏اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ‏)‏ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ فِي الصُّورَتَيْنِ، حَالَ كَوْنِهَا ‏(‏مُتَّصِلَةً‏)‏ اتِّصَالًا لَفْظِيًّا، بِأَنْ يُوجَدَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَقِبَ اللَّفْظِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْحَالِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ كَالتَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ ‏(‏قَالَ‏:‏ مَتَى‏)‏ أَوْ مَتَى مَا أَوْ مَهْمَا ‏(‏شِئْتَ‏)‏ بَدَلَ إنْ شِئْتَ ‏(‏فَلِلتَّرَاخِي‏)‏؛ لِأَنَّ مَتَى مَوْضُوعَةٌ لِلزَّمَانِ فَاسْتَوَى فِيهَا جَمِيعُ الْأَزْمَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِ الْمَشِيئَةُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ بِهَا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ نَوَاهَا فَيُشْتَرَطُ بَعْدَهُ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ حِينَئِذٍ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إذَا قَالَ‏:‏ فَإِذَا مِتُّ فَشِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ فَوْرُ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْأَصَحِّ، كَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْفَاءِ، فَإِنْ قَالَ فَإِذَا مِتُّ فَمَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ‏:‏ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَشِيئَةَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الَّتِي تَوَسَّطَ فِيهَا الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ إنْ أَوْ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا حُمِلَ تَأْخِيرُ الشَّرْطِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَتُشْتَرَطُ الْمَشِيئَةُ هُنَا فَوْرًا بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَمَتَى لَمْ يَعْتَبِرْ الْفَوْرَ فِي الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ عُرِضَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَ لَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا‏:‏ إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَشَرْطُ التَّدْبِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَانِ ‏(‏لِعَبْدِهِمَا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ‏)‏ ‏(‏لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا‏)‏ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا ‏(‏فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ‏)‏ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ كَاسْتِخْدَامٍ أَوْ إجَارَةٍ، وَفِي كَسْبِهِ بَيْنَ مَوْتِ الشَّرِيكَيْنِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ فَاكْتَسَبَ مَالًا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ حَالَةَ الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِهِ هُنَا، ثُمَّ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا عِتْقٌ بِتَدْبِيرٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ يُعَلِّقُهُ بِمَوْتِهِ، بَلْ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ، وَفِي مَوْتِهِمَا مُرَتَّبًا يَصِيرُ نَصِيبُ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا مُدَبَّرًا دُونَ نَصِيبِ الْمُتَقَدِّمِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ، وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ، وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إلَى دَارِهِمْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ‏)‏ أَطْبَقَ جُنُونُهُ ‏(‏وَ‏)‏ لَا تَدْبِيرُ ‏(‏صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ‏)‏ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلتَّبَرُّعِ‏.‏ أَمَّا إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَدَبَّرَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ إنْ جُنِنْتَ فَجُنَّ هَلْ يَعْتِقُ‏؟‏‏.‏ قَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ‏:‏ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ حَصَلَ فِي الصِّحَّةِ، وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ لِلْجُنُونِ كَالْمُبْتَدَأِ فِيهِ ا هـ‏.‏

وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ ‏(‏وَكَذَا مُمَيِّزٍ‏)‏ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ كَإِعْتَاقِهِ، وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ إذْ لَا تَضْيِيعَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّدْبِيرِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ‏)‏ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَلِوَلِيِّهِ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ بِالْبَيْعِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَمِنْ مُفْلِسٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَمِنْ مُبَعَّضٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا إسْلَامٌ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْ ‏(‏كَافِرٍ أَصْلِيٍّ‏)‏ وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَتَعْلِيقُهُ الْعِتْقَ عَلَى صِفَةٍ، وَمِنْ سَكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ حُكْمًا ‏(‏وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ‏)‏ فَعَلَى الْأَظْهَرِ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَقَدْ سَبَقَتْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ‏.‏ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ‏)‏ تَدْبِيرُهُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ صِيَانَةً لِحَقِّ الْعَبْدِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ السَّابِقَيْنِ عَلَيْهَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَالثَّالِثُ الْبِنَاءُ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ ‏(‏وَلَوْ ارْتَدَّ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏الْمُدَبَّرُ‏)‏ أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ ‏(‏لَمْ يَبْطُلْ‏)‏ تَدْبِيرُهُ وَإِنْ صَارَ دَمُهُ يُهْدَرُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِيهِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ بِهَا‏.‏ ثُمَّ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ، وَلَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَيِّدُهُ حَيًّا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ عَتِيقِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي مَحِلِّهِ، وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى مُدَبَّرٍ مُسْلِمٍ، ثُمَّ عَادَ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ كَمَا كَانَ ‏(‏وَلِحَرْبِيٍّ‏)‏ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ‏(‏حَمْلُ مُدَبَّرِهِ‏)‏ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ دَارِنَا ‏(‏إلَى دَارِهِمْ‏)‏ وَلَوْ جَرَى التَّدْبِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُدَبَّرُ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَيَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ مَا أَثْبَتَهُ لَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

حُكْمُ مُسْتَوْلَدَةِ الْحَرْبِيِّ كَمُدَبَّرِهِ فِيمَا مَرَّ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ مُدَبَّرِهِ الْمُرْتَدِّ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ شِرَائِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ‏)‏ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ ‏(‏فَدَبَّرَهُ‏)‏ ‏(‏نُقِضَ‏)‏ أَيْ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ ‏(‏وَبِيعَ عَلَيْهِ‏)‏ لِمَا فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِذْلَالِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَمَعْنَاهُ بِيعَ عَلَيْهِ وَنُقِضَ تَدْبِيرُهُ بِالْبَيْعِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَقَوْلُهُ نُقِضَ هَلْ مَعْنَاهُ إبْطَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ إبْطَالِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ أَمْ لَا‏؟‏ فِيهِ نَظَرٌ ا هـ‏.‏

وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ تَدْبِيرِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ بِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ نُزِعَ مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ، وَصُرِفَ كَسْبُهُ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏دَبَّرَ كَافِرٌ‏)‏ عَبْدًا ‏(‏كَافِرًا فَأَسْلَمَ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ‏)‏ بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ الْآتِي ‏(‏نُزِعَ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ‏)‏ وَجُعِلَ عِنْدَ عَدْلٍ دَفْعًا لِلذُّلِّ عَنْهُ وَلَا يُبَاعُ بَلْ يَبْقَى مُدَبَّرًا لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ ‏(‏وَصُرِفَ كَسْبُهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ‏)‏ عَلَيْهِ وَيُنْقَضُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لَا يَبْقَى فِي يَدِ الْكَافِرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَحِقَ سَيِّدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَبُعِثَ بِالْفَاضِلِ لَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الْكَافِرِ لَمْ يُبَعْ، فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ ‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏بَيْعُ الْمُدَبَّرِ‏)‏ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَيُسْتَثْنَى السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهُ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ بَيْعَهُ لِأَجْلِ إبْطَالِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ جَزْمًا ‏(‏وَالتَّدْبِيرُ‏)‏ مُقَيَّدًا كَانَ أَوْ مُطْلَقًا ‏(‏تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ‏)‏ لِلْعَبْدِ بِعِتْقِهِ نَظَرًا إلَى اعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ، وَكَذَا الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ فَوْقَ الثَّلَاثِينَ نَصًّا، ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ كَأَبْطَلْته فَسَخْتُهُ نَقَضْتُهُ رَجَعْتُ فِيهِ صَحَّ إنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏بَاعَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدُ مُدَبَّرَهُ ‏(‏ثُمَّ مَلَكَهُ‏)‏ ‏(‏لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ الْحِنْثِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ، وَقِيلَ‏:‏ يَعُودُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَوْدِ الْحِنْثِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ك أَبْطَلْته‏)‏ أَوْ ‏(‏فَسَخْتُهُ‏)‏ أَوْ ‏(‏نَقَضْتُهُ‏)‏ أَوْ ‏(‏رَجَعْتُ فِيهِ‏)‏ ‏(‏صَحَّ إنْ قُلْنَا‏)‏ بِالرُّجُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ ‏(‏وَصِيَّةٌ‏)‏ كَمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ قُلْنَا هُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُرَادُهُ بِالْقَوْلِ اللَّفْظُ أَوْ الْمُنْزَلُ مَنْزِلَتَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِيُدْخِلَ الْأَخْرَسَ الْمَفْهُومَ الْإِشَارَةِ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ حَرْفَ الْعَطْفِ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِمْ‏:‏ أَكَلْت سَمَكًا تَمْرًا لَحْمًا شَحْمًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عُلِّقَ مُدَبَّرٌ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏عُلِّقَ مُدَبَّرٌ‏)‏ أَيْ عُلِّقَ عِتْقُهُ ‏(‏بِصِفَةٍ‏)‏ كَأَنْ قَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ الْمُطْلَقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ‏(‏صَحَّ‏)‏ وَبَقِيَ التَّدْبِيرُ بِحَالِهِ كَمَا لَوْ دُبِّرَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ‏(‏وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ‏)‏ تَعْجِيلًا لِلْعِتْقِ، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَتَقَ بِهَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏وَطْءُ‏)‏ أَمَةٍ ‏(‏مُدَبَّرَةٍ‏)‏ لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَهُ وَكَانَ يَطَؤُهَا ‏(‏وَلَا يَكُونُ‏)‏ وَطْؤُهُ لَهَا ‏(‏رُجُوعًا‏)‏ عَنْ التَّدْبِيرِ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَمْ لَا، هَذَا إنْ لَمْ يُولِدْهَا ‏(‏فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ‏)‏؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدِّينُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَرَفَعَهُ بِالْأَقْوَى كَمَا رَفَعَ مِلْكُ الْيَمِينِ النِّكَاحَ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ‏)‏ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ بِجِهَةٍ هِيَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَيْسَ لَنَا مَا يَمْتَنِعُ التَّدْبِيرُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ‏)‏ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا فَيَعْتِقُ بِالْأَسْبَقِ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ، فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَيَبْقَى التَّدْبِيرُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ‏.‏ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ‏:‏ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ‏:‏ عِنْدِي لَا تَبْطُلُ، وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، فَكَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَكَذَا بِالتَّدْبِيرِ‏.‏ قَالَ أَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ‏:‏ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْبُطْلَانِ زَوَالَ الْعَقْدِ دُونَ سُقُوطِ أَحْكَامِهِ ا هـ‏.‏

وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَوَّلَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِحْبَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِالْإِحْبَالِ حَتَّى يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا وَكَسْبُهَا مَعَ كَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَبْقَى مَا زَادَ مُكَاتَبًا وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ النُّجُومِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ إنْ عَتَقَ نِصْفُهُ فَنِصْفُ النُّجُومِ، أَوْ رُبُعُهُ فَرُبُعُهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَكِتَابَةُ مُدَبَّرٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ تَصِحُّ ‏(‏كِتَابَةُ مُدَبَّرٍ‏)‏ كَعَكْسِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا كَمَا مَرَّ، وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْ الْمَوْتِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ‏.‏ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي‏:‏ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا‏.‏ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَخْذًا مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا الَّذِي جَرَى هُوَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا لَاحِقَةٌ وَفِيمَا مَرَّ سَابِقَةٌ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ عُلِّقَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ وُجُودِ الصِّفَةِ وَالْأَدَاءِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

تُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ الْعَبْدِ بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ عَلَى السَّيِّدِ فِي حَيَاتِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ وَالْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الدَّعَاوَى، وَيُقْبَلُ عَلَى الرُّجُوعِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَهُوَ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا‏.‏

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ ‏]‏

المتن‏:‏

وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ‏.‏ إذَا ‏(‏وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ‏)‏ وَلَدًا ‏(‏مِنْ نِكَاحٍ أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏زِنًا‏)‏ أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ بِأَمَةٍ حَدَثَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَانْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ ‏(‏لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْبَلُ الرَّفْعَ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالرَّهْنِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَثْبُتُ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَإِنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُهَا قَطْعًا، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ قَطْعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا دَامَ تَدْبِيرُهُ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ رَجَعَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ فَلَا، وَلَوْ دَبَّرَ حَمْلًا صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَ دُونَ الْأُمِّ، وَإِنْ بَاعَهَا صَحَّ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏دَبَّرَ حَامِلًا‏)‏ وَأَطْلَقَ ‏(‏ثَبَتَ لَهُ‏)‏ أَيْ الْحَمْلُ ‏(‏حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْمَبْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ لَا يَثْبُتُ، وَيُعْرَفُ وُجُودُ الْحَمْلِ بِوَضْعِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ التَّدْبِيرِ، وَإِنْ وَضَعْتُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينَئِذٍ لَمْ يَتْبَعْهَا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ لَهَا زَوْجُهَا يَفْتَرِشُهَا فَلَا يَتْبَعُهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَيَتْبَعُهَا، وَإِنْ انْفَصَلَ فِيهَا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهَا ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏مَاتَتْ‏)‏ أَيْ الْأُمُّ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ بَعْدَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ ‏(‏أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا‏)‏ بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ ‏(‏دَامَ تَدْبِيرُهُ‏)‏ أَيْ الْحَمْلِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَالرُّجُوعِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ رَجَعَ‏)‏ وَأَطْلَقَ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْحَمْلُ ‏(‏مُتَّصِلٌ‏)‏ بِهَا ‏(‏فَلَا‏)‏ يَدُومُ تَدْبِيرُهُ بَلْ يَتْبَعُهَا فِي الرُّجُوعِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ مَعْنَى الْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ لَهُ قُوَّةٌ‏.‏ أَمَّا لَوْ قَالَ‏:‏ رَجَعْتُ عَنْ تَدْبِيرِهَا دُونَ تَدْبِيرِهِ فَإِنَّهُ يَدُومُ فِيهِ قَطْعًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏دَبَّرَ‏)‏ الْأُمَّ دُونَ حَمْلِهَا بِأَنْ اسْتَثْنَاهُ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَشَرَطَا أَنْ تَلِدَهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَلِدُ إلَّا حُرًّا وَإِنْ دَبَّرَ ‏(‏حَمْلًا‏)‏ بِمُفْرَدِهِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ أَيْضًا كَمَا يَصِحُّ إعْتَاقُهَا دُونَهَا وَلَا تَتْبَعُهُ الْأُمُّ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فَلَا يَكُونُ مَتْبُوعًا ‏(‏فَإِنْ مَاتَ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ الْحَمْلُ ‏(‏دُونَ الْأُمِّ‏)‏ لِمَا مَرَّ ‏(‏وَإِنْ بَاعَهَا‏)‏ مَثَلًا حَامِلًا ‏(‏صَحَّ‏)‏ الْبَيْعُ ‏(‏وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ تَدْبِيرِ الْحَمْلِ قَصَدَ الرُّجُوعَ أَمْ لَا، لِدُخُولِ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ‏:‏ دَبَّرَنِي حَامِلًا فَالْوَلَدُ حُرٌّ، أَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْأُولَى‏:‏ بَلْ دَبَرَكَ حَائِلًا فَهُوَ قِنٌّ وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ‏:‏ بَلْ وَلَدْته قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ قِنٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ‏.‏ وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ هَلْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَبَّرَةِ التَّدْبِيرَ لِوَلَدِهَا حِسْبَةً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِنَّةً وَادَّعَتْ عَلَى السَّيِّدِ ذَلِكَ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ، وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏وَلَدَتْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا‏)‏ بِصِفَةٍ وَلَدًا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا وَانْفَصَلَ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ ‏(‏لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ‏)‏ بِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْوَلَدِ كَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ‏)‏ الْوَلَدُ، وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ عَتَقَ الْحَمْلُ قَطْعًا، وَالْحَامِلُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ كَالْحَامِلِ عِنْدَ التَّدْبِيرِ فَيَتْبَعُهَا الْحَمْلُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ، وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ قِنٍّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ‏)‏ الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا أَبَاهُ، فَكَذَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ ‏(‏وَجِنَايَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَبَّرِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ ‏(‏كَجِنَايَةِ قِنٍّ‏)‏ كَذَلِكَ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَتَلَ بِجِنَايَةٍ فَاتَ التَّدْبِيرُ أَوْ بِيعَ فِيهَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ، فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ بَقِيَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ قَتَلَ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ عَبْدًا يُدَبِّرُهُ، وَلَوْ بِيعَ بَعْضُهُ فِي الْجِنَايَةِ بَقِيَ الْبَاقِي مُدَبَّرًا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَقَدْ جَنَى الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَخْتَرْ فِدَاءَهُ فَمَوْتُهُ كَإِعْتَاقِ الْقِنِّ الْجَانِي‏.‏ فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا عَتَقَ وَفُدِيَ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَيَفْدِيه بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ‏.‏ وَالْأَرْشُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ إنْ اسْتَغْرَقَتْهُ الْجِنَايَةُ، وَإِلَّا فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَلَوْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ مَالِ الْجِنَايَةِ فَفَدَاهُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ فَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَارِثِ إجَازَةٌ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يُتِمُّ بِهِ قَصْدَ الْمُورَثِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَعْتِقُ بِالْمَوْتِ مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ كَإِنْ دَخَلْت فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الصِّحَّةَ فَوُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَعْتِقُ‏)‏ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ‏(‏بِالْمَوْتِ‏)‏ لِسَيِّدِهِ، لَكِنَّهُ مَحْسُوبٌ ‏(‏مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ‏)‏ أَيْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَعْتِقُ ‏(‏بَعْضُهُ‏)‏ إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ ‏(‏بَعْدَ الدَّيْنِ‏)‏ وَبَعْدَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ وَقَعَ التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ نِصْفَهَا وَالتَّرِكَةُ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ فَقَطْ بِيعَ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالٌ سِوَاهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَالْحِيلَةُ فِي عِتْقِ جَمِيعِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِي بِيَوْمٍ، وَإِنْ مِتُّ فَجْأَةً فَقَبْلَ مَوْتِي بِيَوْمٍ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَسْأَلَةٌ سَبَقَتْ فِي الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَذَكَرْتُ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ‏)‏ أَيْ مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِيهِ ‏(‏كَإِنْ دَخَلْت‏)‏ الدَّارَ ‏(‏فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ‏)‏ ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ ‏(‏عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ‏)‏ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ كَمَا لَوْ نَجَزَ عِتْقَهُ ‏(‏وَإِنْ احْتَمَلَتْ‏)‏ الصِّفَةُ ‏(‏الصِّحَّةَ‏)‏ وَالْمَرَضَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ ‏(‏فَوُجِدَتْ‏)‏ تِلْكَ الصِّفَةُ ‏(‏فِي الْمَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ‏)‏ يَكُونُ الْعِتْقُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا بِإِبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَكُونُ الْعِتْقُ مِنْ الثُّلُثِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَنُزُولِ الْمَطَرِ ، فَإِنْ وُجِدَتْ بِاخْتِيَارِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْعِتْقَ فِي مَرَضِهِ‏.‏ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ فَمَرِضَ وَعَاشَ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَمِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فَوُجِدَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ عَتَقَ اعْتِبَارًا بِحَالِ التَّعْلِيقِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا، وَلَوْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَتَقَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ وَالْفَلَسِ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ، بِخِلَافِ السَّفَهِ وَالْجُنُونِ‏.‏ وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَمَالُهُ غَائِبٌ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ لَمْ يَحْكُمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْغَائِبِ مِثْلَاهُ فَيُتَبَيَّنُ عِتْقُهُ مِنْ الْمَوْتِ وَيُوقَفُ كَسْبُهُ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ دَيْنٌ وَثُلُثُهَا يَحْتَمِلُ الْمُدَبَّرَ فَأُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ تُبُيِّنَ عِتْقُهُ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ يَحْلِفُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ‏)‏ سَيِّدُهُ ‏(‏فَلَيْسَ‏)‏ إنْكَارُهُ لَهُ ‏(‏بِرُجُوعٍ‏)‏ عَنْ التَّدْبِيرِ، وَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْقَوْلِ كَمَا أَنَّ جُحُودَ الرِّدَّةِ لَا يَكُونُ إسْلَامًا وَجُحُودَ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً ‏(‏بَلْ يَحْلِفُ‏)‏ السَّيِّدُ أَنَّهُ مَا دَبَّرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيَمِينُ، بَلْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْيَمِينَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ إنْ كُنْتُ دَبَّرْتُهُ فَقَدْ رَجَعْتُ إنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ، فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْعَبْدُ، وَثَبَتَ تَدْبِيرُهُ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِتَدْبِيرِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ فَقَالَ‏:‏ كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَقَالَ الْوَارِثُ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏وُجِدَ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ‏(‏مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ‏)‏ أَوْ نَحْوُهُ فِي يَدِهِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِيهِ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ الْمُدَبَّرُ ‏(‏كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ‏.‏ وَقَالَ الْوَارِثُ‏)‏ بَلْ كَسَبْته ‏(‏قَبْلَهُ‏)‏ ‏(‏صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَتَرَجَّحَ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ إذَا قَالَتْ وَلَدْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْوَارِثُ‏:‏ بَلْ قَبْلَهُ فَهُوَ قِنٌّ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ حُرِّيَّتَهُ، وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ ‏(‏وَإِنْ أَقَامَا‏)‏ أَيْ الْمُدَبَّرُ وَالْوَارِثُ ‏(‏بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ بِمَا قَالَاهُ ‏(‏قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَبَّرِ عَلَى النَّصِّ، وَقُطِعَ بِهِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ، وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَقَالَ كَانَ فِي يَدِي وَدِيعَةً لِرَجُلٍ وَمَلَكْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا‏.‏ وَلَوْ دَبَّرَ رَجُلَانِ أَمَتَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَحِقَهُ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ مَهْرِهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِهَا كَمَا مَرَّ، وَمَا فِي الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ السِّرَايَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ وَيَلْغُو رَدُّ الْمُدَبَّرِ التَّدْبِيرَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ دَبَّرَ السَّيِّدُ عَبْدًا، ثُمَّ مَلَّكَهُ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مَلَكَهُ السَّيِّدُ سَوَاءٌ أَقُلْنَا‏:‏ إنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ أَمْ لَا، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ،‏.‏ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا لَمْ تَعْتِقْ إلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي حُكْمِ الصِّفَةِ إلَّا إنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَتْبَعُهَا فِي ذَلِكَ فَيَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقِيَاسِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا عُلِّقَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ‏:‏ إذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ وَمُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ إنْ قَرَأْتَ قُرْآنًا وَمُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَمَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَالصَّوَابُ مَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ‏}‏‏:‏ وَهَذَا الْخِطَابُ كَانَ بِمَكَّةَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ بِالْهَمْزِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْقُرْآنَ بِغَيْرِ هَمْزٍ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ كَمَا أَفَادَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلُغَةُ الشَّافِعِيِّ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَالْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يَظُنُّهُ مَهْمُوزًا، وَإِنَّمَا يَنْطِقُ فِي ذَلِكَ بِلُغَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ لَا بِغَيْرِهَا، وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْإِشْكَالُ‏.‏ وَأُجِيبَ عَنْ السُّؤَالِ‏.‏